كل عام وأنت بخير أيها الأسطورة، كل عام وكرة القدم بخير ، لقد أكمل القيصر فرانز بيكنباور عامه الخامس والستين، ولا يزال متألقا كرياضي يتقلد رئاسة مجلس الإدارة العليا في نادي بايرن ميونخ، القيصر لا يمكن تلخيصه في أسطر ولا أعتقد أن هناك داع للحديث عن انجازات هذا الرجل الذي خدم ألمانيا أكثر من غيره في المجال الرياضي، بيكنباور خدم كرة القدم العالمية بأسرها، ولكن هل سيحصل القيصر على راتب تقاعدي من الحكومة الألمانية؟. الجواب البديهي هناك هو التالي : لن يحصل بيكنباور على الرغم من كل ما قدمه على راتب تقاعدي، لأنه لا توجد واسطات في ألمانيا، يقول بيكنباور عن راتبه التقاعدي “عندما كنت لاعبا لم أكن أدفع للحكومة ضريبة التقاعد ولذلك لا يحق لي الحصول على الراتب التقاعدي”. بيكنباور كرم أكثر من مرة تقديرا لعطاءاته ولكنه لم يحصل من الحكومة أكثر مما يستحقه، تنفيذا لمبدأ العدالة والمواطنة السائد في ألمانيا وغيرها من الدول المتقدمة، لا يستطيع بيكنباور أن يحصل على أرض صناعية أو تجارية لأنه بيكنباور!!. هذا النموذج نحتاجه في الوطن العربي ولو تحقق في يوم من أيام التاريخ الضوئي لتغير حال الكرة العربية كثيرا، وأصبح حالنا غير هذه الحالة، لا يوجد آمر ناهي وفقا للمنصب في ألمانيا، بل وفقا لقوانين والتشريعات، كرة القدم هناك تسير في نظام محكم ضمن دولة المؤسسات. كرة القدم في ألمانيا صناعة والنظام والالتزام ثقافة، حتى اللاعبين النجوم هم صناعة، يصنعون كل شيء وفق نظام معين، ويمكن أن أسرد لكم قصة صغيرة جدا كمثال لصناعة اللاعب النجم، فلنأخذ شفاينستايجر كمثال، عندما كان شفايني لاعبا صغيرا في بايرن ميونخ كان يتمرن في الأوقات المخصصة للاعبين الصغار، ويجمع الكرات بجانب الملعب مع مجموعة بسيطة من الذين “أعطوا هذا الشرف” تربية اللاعبين على التواضع والعمل والالتزام يؤسس لها، ففي أحد المرات كان شفاينستايجر ينظر للاعبي الفريق الأول بحسد بالغ لأنهم يرتدون أحذية غالية الثمن، لم يكن مسموحا للاعبين الصغار ارتداء تلك الأحذية كي لا يعتادوا على التكبر، لم يكن بوسع والد شفاينستايجر أن يشتري لإبنه حذاء كحذاء توماس لينكيه أو ستيفان إيفنبيرج، لأن النادي لايسمح بارتداء لاعب ناشيء حذاء يميزه عن باقي زملائه، ربما يستطيع أن يلبس هذا الحذاء في البيت. لقد تأخر شفايني كثيرا وانتظر انتهاء تمارين الفريق الأول، غادر اللاعبون الكبار ولكن الإنجليزي أوين هاريجريفز الوافد الجديد آنذاك ظل يتمرن على التسديد، كان شفايني ينظر إلى حذائه، إلتفت يمينا ويسارا فلم يجد أحدا، تقدم من هاريجريفز وطلب منه أن يعطيه الحذاء، لم يمانع الإنجليزي فأخذ شفايني الحذاء وفر هاربا، كي لا يراه أولي هوينس مدير النادي آنذاك. لقد تعلم شفايني من تلك الحياة الصارمة الكثير وأصبح الآن أحد أفضل لاعبي العالم، ربما لو رآه هاريجريفز الآن لطلب منه قميصا. علينا أن ندّرس مثل تلك التجارب للاعبينا الصغار، ونقتدي بتجارب أندية عريقة في التربية مثل بايرن ميونخ وليفربول الذي كان جيرارد يمسح فيه حذاء ستيف مكمنامان عندما كان صغيرا، فلننظر إلى جيرارد الآن، ولننظر إلى شفاينستايجر إلى أين وصل.